شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
محاجَّة ابن تيمية لمخالفيه ومحنة السجن
ولما اشتهر -رحمه الله- بهذا القول خاف أيضا أهل مصر اسم> أن ينخدع الناس به -في نظرهم- وأن يشتهر قوله، فطلبوا من السلطان أن يرسله إليهم في مصر اسم> ليجادلوه في زعمهم؛ فذهب على البريد من دمشق اسم> إلى مصر اسم> وقطع المسافة سيرا ليلا ونهارا في سبعة أيام، ولما جاء إلى مصر اسم> انتصب له رجل شافعي يُقال له: ابن عدوان اسم> وقال: أنا أجادله، وترافعوا إلى رجل حنفي يُقال له: ابن مخلوف اسم> يسمونه قاضي القضاة، فلما حضر عند ابن مخلوف اسم> قال له ابن عدوان اسم> إني أدعي على هذا الرجل أنه يقول: إن الله على العرش بذاته، وأن الله يتكلم بحرف وصوت، وأن الله يسمع بسمع، ويبصر ببصر، فعند ذلك قال له ابن مخلوف اسم> ما تقول يا فقيه؟
ابتدأ شيخ الإسلام -رحمه الله- بحمد الله تعالى والثناء عليه، وكأنه أطال فقالوا له: ما جئنا بك لتخطب إنما جئنا بك لتحتج، فقال لهم: فمن الحَكم بيننا؟ فقالوا: القاضي ابن مخلوف اسم> فقال: كيف يقضي، وكيف يحكم، وهو ضدنا، وهو خصمي؟! لا أقبله، فغضب ابن مخلوف اسم> وقال: هذا جدلي أدخلوه السجن، أُدخل في السجن، وجلس فيه نحو سنتين، ولكنه لم يُعَذب، بل في سجن له أبواب، وله منافذ يزوره أهل الخير، ويأتونه بأوراق، ويأتونه بحبر، ويسألونه، فيكتب أجوبة حتى كتب مجلدات، جمعت تلك الكتابات وسميت الفتاوى المصرية .
ولما خرج من السجن المرة الأولى أنكر على بعض المتصوفة، والحلولية ورفعوا أمره أيضا إلى السلطان فأمر بسجنه، ولم يزل كلما خرج أنكر على طائفة من المبتدعة، وكان لهم مكانة عند السلطان؛ فيأمرون بسجنه، واستمر في مصر اسم> نحو سبع سنين أي: من سنة سبعمائة وخمسة إلى سنة سبعمائة واثني عشر، يسر الله وخلوا سبيله، ورجع إلى دمشق اسم> وحصلت أيضا مناظرة له في دمشق اسم> على عقيدته، فأخبر العقيدة الواسطية، وقرأها أحد تلاميذه وأخذوا يجادلونه في أمر العقيدة؛ ولكنه ظهر عليهم بالحُجة، وبين لهم الدليل والصواب .
العقيدة الواسطية أيضا مختصرة، وفيها عقيدة أهل السنة؛ ومع الأسف ما أحد شرحها من الحنابلة، ولا من غيرهم طوال هذه القرون إلا قريبا من نحو أربعين سنة ابتدأ في شرحها بعض مشائخنا وشرحوها، وشُرحت بعدة شروح في هذه السنوات القريبة .
نعود نقول: إن هذه المنظومة مما يهمّ حفظها، وذلك لسهولتها؛ ولأنها متضمنة لخلاصة عقيدة أهل السنة، وإن لم تذكر فيها التفاصيل، فلذلك نحب أن نتكلم على أبياتها في هذا اليوم بما تيسر والآن نبدأ فيها .
مسألة>