الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك logo إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
shape
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
74607 مشاهدة print word pdf
line-top
محاجَّة ابن تيمية لمخالفيه ومحنة السجن

ولما اشتهر -رحمه الله- بهذا القول خاف أيضا أهل مصر أن ينخدع الناس به -في نظرهم- وأن يشتهر قوله، فطلبوا من السلطان أن يرسله إليهم في مصر ليجادلوه في زعمهم؛ فذهب على البريد من دمشق إلى مصر وقطع المسافة سيرا ليلا ونهارا في سبعة أيام، ولما جاء إلى مصر انتصب له رجل شافعي يُقال له: ابن عدوان وقال: أنا أجادله، وترافعوا إلى رجل حنفي يُقال له: ابن مخلوف يسمونه قاضي القضاة، فلما حضر عند ابن مخلوف قال له ابن عدوان إني أدعي على هذا الرجل أنه يقول: إن الله على العرش بذاته، وأن الله يتكلم بحرف وصوت، وأن الله يسمع بسمع، ويبصر ببصر، فعند ذلك قال له ابن مخلوف ما تقول يا فقيه؟
ابتدأ شيخ الإسلام -رحمه الله- بحمد الله تعالى والثناء عليه، وكأنه أطال فقالوا له: ما جئنا بك لتخطب إنما جئنا بك لتحتج، فقال لهم: فمن الحَكم بيننا؟ فقالوا: القاضي ابن مخلوف فقال: كيف يقضي، وكيف يحكم، وهو ضدنا، وهو خصمي؟! لا أقبله، فغضب ابن مخلوف وقال: هذا جدلي أدخلوه السجن، أُدخل في السجن، وجلس فيه نحو سنتين، ولكنه لم يُعَذب، بل في سجن له أبواب، وله منافذ يزوره أهل الخير، ويأتونه بأوراق، ويأتونه بحبر، ويسألونه، فيكتب أجوبة حتى كتب مجلدات، جمعت تلك الكتابات وسميت الفتاوى المصرية .
ولما خرج من السجن المرة الأولى أنكر على بعض المتصوفة، والحلولية ورفعوا أمره أيضا إلى السلطان فأمر بسجنه، ولم يزل كلما خرج أنكر على طائفة من المبتدعة، وكان لهم مكانة عند السلطان؛ فيأمرون بسجنه، واستمر في مصر نحو سبع سنين أي: من سنة سبعمائة وخمسة إلى سنة سبعمائة واثني عشر، يسر الله وخلوا سبيله، ورجع إلى دمشق وحصلت أيضا مناظرة له في دمشق على عقيدته، فأخبر العقيدة الواسطية، وقرأها أحد تلاميذه وأخذوا يجادلونه في أمر العقيدة؛ ولكنه ظهر عليهم بالحُجة، وبين لهم الدليل والصواب .
العقيدة الواسطية أيضا مختصرة، وفيها عقيدة أهل السنة؛ ومع الأسف ما أحد شرحها من الحنابلة، ولا من غيرهم طوال هذه القرون إلا قريبا من نحو أربعين سنة ابتدأ في شرحها بعض مشائخنا وشرحوها، وشُرحت بعدة شروح في هذه السنوات القريبة .
نعود نقول: إن هذه المنظومة مما يهمّ حفظها، وذلك لسهولتها؛ ولأنها متضمنة لخلاصة عقيدة أهل السنة، وإن لم تذكر فيها التفاصيل، فلذلك نحب أن نتكلم على أبياتها في هذا اليوم بما تيسر والآن نبدأ فيها .

line-bottom